top of page

عندما لا تكفي المعلومات: ما تعلّمنا إياه إفريقيا وسوريا عن التردد في أخذ اللقاح

  • Tatyana El-Kour
  • Sep 30
  • 3 min read

Updated: Oct 5


"Let's Kick COVID Out Vaccinate!" - Photo by Médecins Sans Frontières
"Let's Kick COVID Out Vaccinate!" - Photo by Médecins Sans Frontières

كان ذلك في ربيع عام 2021، والعالم يحبس أنفاسه. وصلت اللقاحات لتظهرعقبة جديدة: هل سيتقبّلها الناس؟ في إحدى البلدات خارج كيب تاون بجنوب إفريقيا، كان جدار جديد يُزيَّن بلوحة جدارية ذي ألوان زاهية امتدت على جدار المجتمع: شبّان أقوياء، مبتسمون، يشمّرون عن سواعدهم لتلقّي لقاح كوفيد-19. لم يكن ذلك مجرد فن، بل كان رسالة إقناع. وقد دعمت منظمة أطباء بلا حدود هذه الجداريات لتشجيع فئة الشباب والرجال خصوصاً، وهي من الفئات الأقل إقبالاً على اللقاح. وخلال أسابيع، بدأ المزيد من الشباب يتوافدون إلى مراكز التلقيح.

 

يوضّح هذا المثال نقطة أساسية من أبحاثي: بينما كانت الحقن وسلاسل التبريد مهمة، كان للجدارية، بما ترمز إليه من ثقة واعتراف، الدور الأكبر في دفع الناس، وبالأخص الرجال، إلى اتخاذ القرار.

 

ما نجح في إفريقيا: زيادة الإقبال على لقاح كوفيد-19

 في عام 2022، وثّقتُ الدروس المستفادة من إفريقيا ومن دول أخرى ذات دخل منخفض ومتوسط حول كيفية تحويل توفر اللقاحات إلى لقاحات في الأذرع.

 

وكانت النتائج واضحة:


  • الأصوات الموثوقة مهمة. عندما تحدث زعيم قبيلة في ريف مالاوي مباشرةً إلى شعبه، كان تأثيره في تبديد الشائعات أكبر من أي حملة وطنية.

  • المقاربات المجتمعية أساسية.  كان للعاملين الصحيين في لبنان أو المتطوعين في كينيا قوة تأثير تفوق المسؤولين البعيدين نتيجة قربهم من المجتمع. 

  • الابتكار يعزّز الإقبال. من التخزين البارد بالطاقة الشمسية إلى خطوط واتساب الساخنة، جعلت التكنولوجيا اللقاح في المتناول وأكثر قرباً من الناس.

 

وقبل كل شيء، كان النجاح مرتبطاً بعنصر واحد: الثقة في التواصل الصحي العام.


يمكنكم قراءة موجز الأدلة عن إفريقيا لعام 2022 هنا.

 

المفارقة في سوريا: مُطّلعون لكن غير ملقَّحين

 ننتقل سريعاً إلى عام 2025، حيث شاركتُ في دراسة بدعوة من زميلتي عفرا رَزوق حول التردد في أخذ اللقاح بين طلاب الجامعات في سوريا، بالاعتماد على إطارC5:  الثقة (Confidence) ، التراخي (Complacency)، القيود (Constraints)، الحساب/التفكير (Calculation)، والمسؤولية الجماعية (Collective responsibility) .

 

وكانت النتائج مفاجِئة حيث أن  64٪ من هؤلاء الطلبة المتعلمين لم يتلقوا اللقاح، فالمسألة لم تكن تتعلق بغياب اللقاح، بل كان اللقاح متاحاً، والطلبة يعرفون الحقائق. ومع ذلك:


  • تراجعت الثقة تحت تأثير نظريات المؤامرة حول دوافع الربح والمخاطر الجينية.

  • ازداد التراخي لدى من اعتقدوا أن كوفيد-19 لا يشكل خطراً شخصياً كبيراً.

  • انعكس التفكير سلباً: كلما بحثوا أكثر على الإنترنت، قلت احتمالية تلقيهم اللقاح.

  • كانت المسؤولية الجماعية العامل الإيجابي الأقوى للتطعيم.

 

وقد لخّص أحد الطلاب في دمشق الأمر قائلاً:"أعرف العلم، لكنني لا أثق بمن يتخذ هذه القرارات."

 

وهنا المفارقة: مُطّلعون، لكن غير ملقَّحين. يمكنكم الاطلاع على الدراسة الكاملة عن سوريا لعام 2025 هنا

 

قارتان، درس واحد

 للوهلة الأولى، قد تبدو جداريات إفريقيا وقاعات المحاضرات في سوريا عالَمين متباعدين. لكن كلاهما يشير إلى الحقيقة ذاتها: المعلومة وحدها لا تغيّر السلوك.

 

ما يهم حقاً هو:

  • هل يثق الناس بالمرسِل؟

  • هل يرون أنفسهم في الرسالة؟

  • هل يشعرون أنهم جزء من شيء أكبر من ذواتهم؟

 

في إفريقيا، من بنى الثقة هم عاملي الصحة المجتمعيون والحملات المبتكرة. أما في سوريا، فقد عمّقت المؤسسات المنقسمة والسرديات المتنافسة الهوّة بين المعرفة والفعل.

 

إعادة التفكير في التردد: التحدي إنساني

 بصفتي استشارية علم النفس الإعلامي، فأنا أرى التردد في أخذ اللقاح ليس جهلاً، بل هو مسألة هوية، فالناس يسألون أنفسهم:

  • هل أثق بك؟

  • هل تحترم مخاوفي؟

  • هل يكرّس هذا الاختيار من أكون ويحمي من أحب؟


لهذا السبب، يجب أن يتجاوز التواصل الفعّال حول اللقاح الحقائق:

  • تمكين القادة الموثوقين بالأدوات المبنية على الأدلة.

  • تأطير التطعيم كمسؤولية جماعية، لا مجرد حماية فردية.

  • توظيف الابتكار في السرد القصصي، لا فقط في اللوجستيات.

 

إغلاق الدائرة

من جداريات إفريقيا إلى قاعات سوريا، لقد أظهرت الجائحة أن اللقاحات تنقذ الأرواح فقط عندما يختار الناس أخذها. وذلك الاختيار نادراً ما يبنى على العلم وحده، بل هو عن الثقة، والانتماء، والقصص التي يرويها الناس لأنفسهم عن الخطر، والمسؤولية، والقدرة على الصمود.

 

وبالنسبة لنا كخبراء في مجال التواصل والصحة العامة، التحدي واضح:

  • ألا نكتفي بإعطاء المعلومات، بل نبني الجسور.

  • ألا نكتفي بتقديم الحقائق، بل نكسب الثقة.

     

لأن اللقاحات لا تنجح إلا حين تُشَمَّر الأكمام. وذلك لا يحدث إلا حين تصل الرسالة إلى القلوب والعقول أولاً.

 







 
 
 

Comments


bottom of page