"لم نكن بحاجة إلى أدوات جديدة، بل إلى أن نصنع أدواتنا بأنفسنا"
- Tatyana El-Kour
- Mar 30
- 3 min read

قصة ابتكار رقمي يقودها ممارسو الصحة النفسية في اليمن
في عام 2024، وفي ظل انقطاعات الكهرباء والاتصالات، اجتمع 23 من المتخصصين اليمنيين في الصحة النفسية عبر الإنترنت بهدف مشترك: التوقف عن انتظار الحلول، والبدء في صناعتها بأنفسهم.
إحدى المشاركات، عائشة، وهي أخصائية دعم نفسي اجتماعي في الحُديدة، كانت تقضي بعض الليالي في رسم تصاميم أولية لتطبيق باستخدام ضوء الشموع. كان تصميمها بسيطًا وودودًا، بشاشة باللغة العربية، وخيار صوتي لمن لا يستطيعون القراءة، ورسالة تبدأ بسؤال لطيف: "كيف تشعر اليوم؟"
لم يكن هذا مشروعًا جانبيًا. بل كان تحولًا جذريًا في طريقة التفكير. هؤلاء الممارسون لم يحضروا تدريبًا فقط—بل أعادوا تخيّل كيف يمكن أن تبدو خدمات الصحة النفسية في اليمن.
لماذا كان لا بد من هذا العمل
رُوّج للأدوات الرقمية في مجال الصحة النفسية عالميًا باعتبارها حلولاً قابلة للتوسع، وسهلة الوصول، ومنخفضة التكلفة. لكن في اليمن، كان لدى الممارسين قصة مختلفة.
"الأدوات باللغة الإنجليزية."
"لا تعمل دون اتصال بالإنترنت."
"لا تعكس طريقة تفكير الناس هنا، ولا كيف يعبرون عن مشاعرهم."
بدأ هذا المشروع بهدف واضح: تمكين ممارسي الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في اليمن من مهارات التصميم المرتكز على المستخدم (UCD)، وإنشاء المحتوى، ليشاركوا في تصميم أدوات رقمية تناسب الظروف التي يواجهونها يوميًا.
كيف تم تنفيذ المشروع
نُفذ المشروع في عام 2024، باتباع نموذج عملي من ثلاث مراحل، قائم على التكرار، والمشاركة، والتعاون الفعّال.
المرحلة الأولى: الاستماع والتعلّم
كشفت الاستبيانات ثنائية اللغة أن العديد من الممارسين يمتلكون خبرة علاجية قوية، لكن لم يسبق لهم التفاعل مع تصميم الأدوات الرقمية. ومع ذلك، كان لديهم فهم عميق لاحتياجات عملائهم، وما الذي لا يُجدي نفعًا.
المرحلة الثانية: التصميم من واقعهم
قدّم المنهج التدريبي مفاهيم تصميم التجربة مثل: رسم الإطارات الأولية (wireframing)، ورحلة المستخدم، واختبارات سهولة الاستخدام. وشُجع المشاركون على التفكير، ليس كمستخدمين للتطبيقات، بل كمصممين يضعون العميل في قلب التصميم.
ضمن مجموعات صغيرة، قاموا بتطوير واختبار نموذج أولي لأداة توفر دعمًا نفسيًا أساسيًا باللغة العربية—تعمل بدون إنترنت، وتستهلك بيانات منخفضة، وتحتوي على خيارات صوتية.
المرحلة الثالثة: التطبيق، المراجعة، والإرشاد
على مدار أسبوعين، شارك الممارسون في دورة تدريبية عبر الإنترنت، مصحوبة بجلسات إرشاد فردية. ورغم انقطاعات الإنترنت، بقي التفاعل مرتفعًا، وتم تعديل التصاميم بناءً على ملاحظات الزملاء ومحاكاة استخدام المستخدمين.
ما الذي أنجزه الفريق ولماذا كان مهمًا
٩٢٪ من المشاركين أفادوا بزيادة ثقتهم في تصميم أدوات رقمية تراعي المستخدم.
تم إنشاء واختبار نموذج أولي عملي، مناسب للبيئات منخفضة التقنية وعالية الحاجة.
أكدت ردود الفعل من الممارسين والمستخدمين أن الأداة كانت ذات صلة، وعملية، ومتجذرة في الواقع اليمني.
تحديات واجهتنا
كما هو الحال في أي مشروع في ظروف واقعية، ظهرت بعض التحديات:
واجه بعض المشاركين صعوبة في الوصول إلى الأجهزة أو الإنترنت المستقر.
هناك حاجة مستمرة للإرشاد الفني والدعم لضمان الاستخدام المستدام.
الأداة بحد ذاتها لن تكون فعّالة إلا بقدر ما تُدمج ضمن نظام رعاية أوسع—المراحل القادمة يجب أن تربط استخدامها بنتائج قابلة للقياس في تقديم الرعاية.
ما التالي في عام 2025
في حزيران 2025، سيتم تقديم المشروع في الاجتماع السنوي لجمعية الصحة النفسية الرقمية، ليكون مثالاً على أن الابتكار الرقمي في مناطق النزاع يجب أن يبدأ من القيادة المحلية، لا من الخارج.
ما تعلمناه
التصميم الرقمي ليس حكرًا على فرق التقنية—بل هو أداة يجب أن تكون في أيدي من يعرفون الاحتياج الحقيقي.
البساطة قوة، خصوصًا في البيئات المتأثرة بالأزمات.
الممارسون في اليمن لا يستعدّون فقط لتقديم الرعاية، بل لتشكيلها وصياغتها.
كلمة أخيرة
"لم نكن بحاجة إلى من يمنحنا أداة أخرى. كنا بحاجة إلى من يثق بنا لنصنع أدواتنا."
تلك الثقة كانت أساس هذا المشروع—وهي ما سنبني عليه في المرحلة القادمة. لأن التعافي في اليمن لن يأتي من حلول جاهزة من الخارج، بل من تغيير داخلي يقوده من يعيش الواقع يومًا بيوم.
Comments